فصل: 2- أنواعه:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: علم أصول الفقه



.2- أنواعه:

من تعريف الحكم الشرعي في اصطلاح الأصوليين يؤخذ أنه ليس نوعا واحدا، لأنه إما أن يتعلق بفعل المكلف على جهة الطلب، أو على جهة التخيير أو على جهة الوضع. وقد اصطلح علماء الأصول على تسمية الحكم المتعلق بفعل المكلف على جهة الطلب أو التخيير بالحكم التكليفي، وعلى تسمية الحكم المتعلق بفعل المكلف على جهة الوضع بالحكم الوضعي، ولهذا قرروا أن الحكم الشرعي ينقسم إلى قسمين: حكم تكليفي، حكم وضعي.
فالحكم التكليفي: هو ما اقتضى طلب فعل من المكلف، أو كفّه عن فعله أو تخييره بين فعل والكف عنه.
فمثال ما اقتضى طلب فعل من المكلف قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: 103]، وقوله: {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران 97] وقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُود} [المائدة: 1]، وغير ذلك من النصوص التي تطلب من المكلف أفعالا.
ومثال ما اقتضى طلب الكف عن فعل، قوله تعالى: {لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ} [الحجرات: 11]، وقوله: {وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى} [الإسراء: 32]، وقوله: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ} [المائدة: 3]، وغير ذلك من النصوص التي تطلب من المكلف الكف عن أفعال.
ومثال ما اقتضى تخيير المكلف بين فعل والكف عنه، قوله تعالى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُواْ} [المائدة: 3]،. وقوله: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ} [الجمعة: 10]، وقوله: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ} [النساء: 101]، وغير ذلك من النصوص التي تقتضي تخيير المكلف بين فعل الشيء والكف عنه.
وإنما سمي هذا النوع الحكم التكليفي لأنه يتضمن تكليف المكلف بفعل أو كف عن فعل أو تخييره بين فعل والكف عنه. ووجه التسمية ظاهر فيما طلب به من المكلف فعل أو الكف عنه. وأما ما خير به المكلف بين فعل والكف عنه فوجه تسميته تكليفياً غير ظاهر، لأنه لا تكليف فيه ولهذا قالوا: إن إطلاق الحكم التكليفي عليه من باب التغليب.
وأما الحكم الوضعي: فهو ما اقتضى وضع شيء سببا لشيء، أو شرطا له، أو مانعا منه.
فمثال ما اقتضى وضع شيء سببا لشيء قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة: 6]، اقتضى وضع إرادة إقامة الصلاة سببا في إيجاب الوضوء. وقوله: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38]، اقتضى وضع السرقة سببا في إيجاب قطع يد السارق. وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «من قتل قتيلا فله سلبه»، اقتضى وضع قتل القتيل سببا في استحقاق سلبه، وغير ذلك من النصوص التي اقتضت وضع أسباب لمسببات.
ومثال ما اقتضى وضع شيء شرطا لشيء، قوله تعالى: {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} [آل عمران: 97]، اقتضى أن استطاعة السبيل إلى البيت شرط لإيجاب حجه. وقوله صلى الله عليه وسلم: «لا نكاح إلا بشاهدين»، اقتضى أن حضور الشاهدين شرط لصحة الزواج. وقوله صلى الله عليه وسلم: «لا مهر أقل من عشرة دراهم»، اقتضى أن شرط تقدير المهر تقديرا صحيحا شرعا أن لا يقل عن عشرة دراهم. وغير ذلك من النصوص التي دلت على اشتراط شروط لإيجاب الفعل، أو لصحة العقد أو لأي مشروط.
ومثال ما اقتضى جعل شيء مانعا من شيء، قوله صلى الله عليه وسلم: «ليس للقاتل ميراث» اقتضى جعل قتل الوارث مورثه مانعا من إرثه.
وإنما سمي الحكم الوضعي، لأن مقتضاه وضع أسباب لمسببات، أو شروط لمشروطات، أو موانع من أحكام.
ويؤخذ مما تقدم أن الفرق بين الحكم التكليفي والحكم الوضعي من وجهين:
أحدهما: أن الحكم التكليفي مقصود به طلب فعل من المكلف أو كفه عن فعل، أو تخييره بين فعل شيء والكف عنه، وأما الحكم الوضعي فليس مقصودا به تكليف أو تخييراً، وإنما المقصود به بيان أن هذا الشيء سبب لهذا المسبب، أو أن هذا شرط لهذا المشروط، أو أن هذا مانع من هذا الحكم.
وثانيهما: أن ما طلب فعله أو الكف عنه، أو خير بين فعله وتركه بمقتضى الحكم التكليفي لابد أن يكون مقدورا للمكلف، وفي استطاعته أن يفعله وأن يكف عنه لا تكليف إلا بمقدور، ولا تخيير إلا بين مقدور ومقدور.
وأما ما جعل سببا أو شرطا أو مانعا، فقد يكون أمراً في مقدور المكلف بحيث إذا باشره ترتب عليه أثر، وقد يكون أمراً ليس في مقدور المكلف بحيث إذا وجد ترتب عليه أثره.
فمما جعل سبباً وهو مقدور المكلف: صيغ العقود والتصرفات، وجميع الجرائم من جنايات وجنح ومخالفات، بحيث إذا باشر المكلف عقدا أو تصرفا ترتب عليه حكمه، وإذا ارتكب جريمة استحق عقوبتها.
ومما جعل شرطا وهو مقدور المكلف: إحضار شاهدين في عقد الزواج لصحة العقد، وإبلاغ القدر المسمى مهرا إلى عشرة دراهم لصحة تسمية المهر، وتعيين الثمن والأجل في البيع لصحة العقد.
ومما جعل شرطا وهو غير مقدور للمكلف، بلوغ الحلم لانتهاء الولاية النفسية، وبلوغ الرشد لنفاذ عقود المفاوضات المالية.
وكذلك المانع منه ما هو مقدور للمكلف كقتل الوارث موروثه، ومنه ما هو مقدور ككون الموصى له وارثاً.
وأحكام القوانين الوضعية كالأحكام الشرعية في أن منها ما هو أحكام تكليفية تقتضي تكليف المكلف بفعل أو كفه عن فعل، أو تخييره بين فعل والكف عنه، ومنها ما هو أحكام وضعية تقتضي جعل شيء سببا لشيء، أو شرطا أو مانعا.
ونظرة في مواد القانون المدني والتجاري أو قانون العقوبات أو الإجراءات الجنائية ترينا عدة أمثلة من النوعين، وهذه بعض أمثلة من القانون المدني في باب الإيجار:
المادة 586- يجب على المستأجر أن يقوم بوفاء الأجرة في المواعد المتفق عليها.
حكم تكليفي اقتضى فعلا.
المادة 571- على المؤجر أن يمتنع عن كل ما من شأنه أن يحول دون انتفاع المستأجر بالعين المؤجرة.
حكم تكليفي اقتضى كفا.
المادة 593- للمستأجر حق التنازل عن الإيجار أو الإيجار من الباطن، وذلك عن كل ما استأجره أو بعضه ما لم يقض الاتفاق بغير ذلك.
حكم تكليفي اقتضى تخييراً.
ومن اليسير التمثيل لأنواع الحكم الوضعي، لآن أكثر النصوص القانونية الوضعية تقتضي وضع أسباب لمسببات، أو شروط لمشروطات، أو موانع من آثار.

.أقسام الحكم التكليفي:

ينقسم الحكم التكليفي إلى خمسة أقسام:
الإيجاب، والندب، والتحريم، والكراهة، والإباحة.
وذلك لأنه إذا اقتضى طلب فعل، فإن كل اقتضاؤه له على وجه التحتيم والإلزام فهو الإيجاب، وأثر الوجوب، والمطلوب فعله هو الواجب.
وإن كان اقتضاؤه له ليس على وجه التحتيم والإلزام فهو الندب؛ وأثره الندب، والمطلوب فعله هو المندوب.
وإذا اقتضى طلب كف عن فعل فإن كان اقتضاؤه على وجه التحتيم والإلزام فهو التحريم وأثر الحرمة، والمطلوب الكف عن فعله هو المحرم.
وإن كان اقتضاؤه له ليس على وجه التحتيم والإلزام فهو الكراهة، وأثره الكراهة، والمطلوب الكف عن فعله فهو المكروه.
وإذا اقتضى تخيير المكلف بين فعل شيء وتركه فهو الإباحة، وأثره الإباحة، والفعل الذي خير بين فعله وتركه هو المباح.
فالمطلوب فعله قسمان: الواجب والمكروه.
والمطلوب الكف عن فعله قسمان: المحرم والمكروه.
والمخير بين فعله قسمان: المحرم والمكروه.
والمخير بين فعله وتركه هو القسم الخامس وهو المباح.
وسنفرد كل قسم من هذه الأقسام الخمسة ببيان.

.1- الواجب:

.تعريفه:

الواجب شرعا: هو ما طلب الشارع فعله من المكلف طلبا حتما بأن اقتران طلبه بما يدل على تحتيم فعله، كما إذا كانت صيغة الطلب نفسها تدل على التحتيم، أو دل على تحتيم فعله ترتيب العقوبة على تركه، أو آية قرينة شرعية أخرى.
فالصيام واجب لأن الصيغة التي طلب بها دلت تحتيمه، إذ قال سبحانه: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة: 183]، وإيتاء الزوجات مهورهن واجب، إذ قال سبحانه: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً} [النساء: 24] وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة وحج البيت، وبر الوالدين، وغير ذلك من المأمورات التي وردت صيغة الأمر بها مطلقة، ودل على تحتيم فعلها ما ورد في عدة نصوص من استحقاق المكلف العقاب بتركها. فمتى طلب الشارع الفعل ودلت القرينة على أن طلبة على وجه التحتيم كان الفعل واجباً، سواء أكانت القرينة صيغة الطلب نفسها أم أمرا خارجيا.

.أقسامه:

ينقسم الواجب إلى أربع تقسيمات باعتبارات مختلفة:
التقسيم الأول: الواجب من جهة وقت أدائه؛ إما مؤقت وإما مطلق عن التوقيت: فالواجب المؤقت هو ما طلب الشارع فعله حتما في وقت معين كالصلوات الخمس؛ حدد لأداء كل صلاة منها وقتاً معيناً بحيث لا تجب قبله، ويأثم المكلف إن أخّ رها عنه بغير عذر. وكصوم رمضان لا يجب قبل الشهر ولا يؤدي بعده. وكذلك كل واجب عين الشارع وقتا لفعله.
والواجب المطلق عن التوقيت: هو ما طلب الشارع فعله حتما ولم يعين وقتا لأدائه، كالكفارة الواجبة على من حلف يميناً وحنث، فليس لفعل هذا وقت معين، فإن شاء الحانث كفر بعد الحنث مباشرة وإن شاء كفّر بعد ذلك. وكالحج: واجب على من استطاع، وليس لأداء هذا الواجب عام معين.
والواجب المؤقت إذا فعله في وقته كاملا مستوفيا أركانه وشرائطه سمي فعله أداء، وإذا فعله في وقته غير كامل ثم أعاده في الوقت كاملا سمي فعله إعادة، ومن صلاة بعد وقته كانت صلاته قضاء.
والواجب المؤقت إذا كان وقته الذي وقته الشارع به يسعه وحده ويسع غيره من جنسه سمي هذا الوقت موسَّعاً وظرفاً. وإن كان وقته الذي وقته الشارع به يسعه ولا يسع غيره من جنسه سمي هذا الوقت مضيَّقاً ومعياراً. فالأول كوقت صلاة الظهر مثلا، فهو وقت موسع يسع أداء الظهر وأداء أي صلاة أخرى، وللمكلف أن يؤدي الظهر في أي جزء منه، والثاني كشهر رمضان فهو مضيق لا يسع إلا صوم رمضان.
وإذا كان وقته لا يسع غيره من جهة ويسعه من جهة أخرى سمي الوقت ذا الشبهين كالحج، لا يسع وقته وهو أشهر الحج غيره من جهة أن المكلف لا يؤدي في العام إلا حجا واحدا، ويسع غيره من جهة أن مناسك الحج لا تستغرق كل أشهره.
ومما يتفرع على تقسيم الواجب المؤقت إلى واجب موسع وقته، وواجب مضيق وقته، وواجب وقته ذو شبهين:
أن الواجب الموسع وقته يجب على المكلف أن يعينه بالنية حين أدائه في وقته، لأنه إذا لم ينوه بالتعيين لا يتعين أنه أدى الواجب المعين إذا الوقت يسعه وغيره، فإذا صلى في وقت الظهر أربع ركعات فإنه نوى بها أداء واجب الظهر كان أداء له، وإذا لم ينو بها أداء واجب الظهر لم تكن صلاته أداء له، ولو نوى التطوع كانت صلاته تطوعا.
وأما الواجب المضيق وقته فلا يجب على المكلف أن يعيّنه بالنية حين أدائه في وقته، لآن الوقت معيار له لا يسع غيره من جنسه فبمجرد النية ينصرف ما نواه إلى الواجب، فإذا نوى في شهر رمضان الصيام مطلقا ولم يعين بالنية الصيام المفروض انصرف صيامه إلى الصيام المفروض، ولو نوى التطوع لم يكن صومه تطوعا بل كان المفروض، لأن الشهر لا يسع صوما غيره.
وأما الواجب المؤقت بوقت ذي شبهين، فإذا أطلق المكلف النية انصرف إلى الواجب، لأن الظاهر من حال المكلف أنه يبدأ بما يجب عليه قبل أن يتطوع، فهو في هذا كالمضيق، وإذا نوى التطوع كان تطوعا لأنه صرح بنية ما يسعه الوقت، وبما يخالف الظاهر من حاله وهو في هذا كالموسع.
ومما يتفرع عن تقسيم الواجب إلى موقت ومطلق عن التوقيت، أن الواجب المعين وقته يأثم المكلف بتأخيره عن وقته بغير عذر لأن الواجب المؤقت في الحقيقة واجبان فعل الواجب وفعله في وقته. فمن فعل الواجب بعد وقته فقد فعل أحد الواجبين وهو الفعل المطلوب، وترك الواجب الآخر وهو فعله في وقته، فيأثم بترك هذا الواجب بغير عذر.
وأما الواجب المطلق عن التوقيت فليس له وقت معين لفعله، وللمكلف أن يفعله في أي وقت شاء ولا إثم عليه في أي وقت.
التقسيم الثاني: ينقسم الواجب من جهة المطالب بأدائه إلى واجب عيني وواجب كفائي.
فالواجب العيني: هو ما طلب الشارع فعله من كل فرد من أفراد المكلفين، ولا يجزئ قيام مكلف به عن آخر كالصلاة والزكاة والحج والوفاء بالعقود واجتناب الخمر والميسر.
والواجب الكفائي: هو ما طلب الشارع فعله من مجموع المكلفين، لا من كل فرد منهم، بحيث إذا قام به بعض المكلفين فقد أدى الواجب وسقط الإثم والحرج عن الباقين وإذا لم يقم به أي فرد من أفراد المكلفين أثموا جميعا بإهمال هذا الواجب، كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والصلاة على الموتى، وبناء المستشفيات، وإنقاذ الغريق، وإطفاء الحريق، والطب، والصناعات التي يحتاج إليها الناس، والقضاء والإفتاء، ورد السلام، وأداء الشهادة.
فهذه الواجبات مطلوب للشارع أن توجد في الأمة أيّاً كان من يفعلها، وليس المطلوب للشارع أن يقوم كل فرد أو فرد معين بفعلها؛ لأن المصلحة تتحقق بوجودها في بعض المكلفين ولا تتوقف على قيام كل مكلف بها.
فالواجبات الكفائية المطالب بها مجموع أفراد الأمة، بحيث إن الأمة بمجموعها عليها أن تعمل على أن يؤدي الواجب الكفائي فيها، فالقادر بنفسه وماله على أداء الواجب الكفائي؛ عليه أن يقوم به، وغير القادر على أدائه بنفسه عليه أن يحث القادر ويحمله على القيام به؛ فإذا أدى الواجب سقط الإثم عنهم جميعا، وإذا أهمل أثموا جميعاً: أثم القادر لإهماله واجباً قدر على أدائه، وأثم غيره لإهماله حيث القادر وحمله على فعل الواجب المقدور له، وهذا مقتضى التضامن في أداء الواجب، فلو رأى جماعة غريقا يستغيث، وفيهم من يحسنون السباحة ويقدرون على إنقاذه، وفيهم من لا يحسنون السباحة ولا يقدرون على إنقاذه، فالواجب على من يحسنون السباحة أن يبذل بعضهم جهده في إنقاذه، وإذا لم يبادر من تلقاء نفسه إلى القيام بالواجب، فعلى الآخرين حثه وحمله على أداء واجبه، فإذا أدى الواجب فلا إثم على أحد، وإذا لم يؤد الواجب أثموا جميعا.
وإذا تعيّن فرد لأداء الواجب الكفائي كان واجبا عينيا عليه، فلو شهد الغريق الذي يستغيث شخص واحد يحسن السباحة، ولو لم يرد الحادثة إلا واحد ودعي للشهادة، ولو لم يوجد في البلد إلا طبيب واحد وتعين للإسعاف؛ فهؤلاء الذين تعينوا لأداء الواجب الكفائي، يكون الواجب بالنسبة إليهم عينا.
التقسيم الثالث: ينقسم الواجب من جهة المقدار المطلوب منه إلى محدد وغير محدد.
فالواجب المحدد: هو ما عين له الشارع مقدارا معلوما، بحيث لا تبرأ ذمة المكلف من هذا الواجب إلا إذا أداه على ما عين الشارع؛ كالصلوات الخمس والزكاة والديون المالية، فكل فريضة من الصلوات الخمس مشغولة بها ذمة المكلف حتى تؤدي بعدد ركعاتها وأركانها وشروطها، وزكاة كل مال واجبة فيه الزكاة مشغولة بها ذمة المكلف حتى تؤدي بمقدارها في مصرفها. وكذلك ثمن المشترى وأجر المستأجر وكل واجب يجب مقدارا معلوما بحدود معينة، ومن نذر أن يتبرع بمبلغ معين لمشروع خيري فالواجب عليه بالنذر واجب محدد.
والواجب غير المحدد: هو ما لم يعين الشارع مقداره بل طلبه من المكلف بغير تحديد، كالإنفاق في سبيل الله، والتعاون على البر، والتصدق على الفقراء إذا وجب بالنذر، وإطعام الجائع وإغاثة الملهوف وغير ذلك من الواجبات التي لم يحددها الشارع، لأن المقصود بها سد الحاجة، ومقدار ما تسد به الحاجة يختلف باختلاف الحاجات والمحتاجين والأحوال.
ومما يتفرع على هذا التقسيم: أن الواجب المحدد يجب ديناً في الذمة، وتجوز المقاضاة به، وأن الواجب غير المحدد لا يجب ديناً في الذمة ولا تجوز المقاضاة به، لأن الذمة لا تشغل غلا بمعين والمقاضاة لا تكون إلا بمعين.
ولهذا من رأى أن نفقة الزوجة الواجبة على زوجها، ونفقة القريب الواجبة على قريبه واجب غير محدد، لأنه لا يعرف مقداره، قال: إن ذمة الزوج أو القريب غير مشغولة به قبل القضاء أو الرضاء، وليس للزوجة أو القريب أن يطالب به إلا بعد القضاء أو الرضاء، وليس للزوجة أو القريب أن يطالب به إلا بعد القضاء أو الرضاء، وصحت المطالبة به.
ومن رأى أنها من الواجب المحدد المقدر بحال الزوج أو بما يكفي للقريب، قال إنهما واجب محدد في الذمة فتصح المطالب به عن مدة قبل القضاء أو الرضاء لأن القضاء أظهر مقدار الواجب ولم يحدده.
التقسيم الرابع: ينقسم الواجب إلى واجب معين، وواجب مخير.
فالواجب المعين: ما طلبه الشارع بعينه كالصلاة والصيام، وثمن المشتري، وأجر المستأجر، ورد المغصوب، ولا تبرأ ذمة المكلف إلا بأدائه بعينه.
والواجب المخير: ما طلبه الشارع واحدا من أمور معينة، كأحد خصال الكفارة فإن الله أوجب على من حنث في يمينه أن يطعم عشرة مساكين، أو يكسوهم، أو يعتق رقبة فالواجب أي واحد من هذه الأمور الثلاثة، والخيار للمكلف في تخصيص واحد بالفعل، وتبرأ ذمته من الواجب بأداء أي واحد.